أيام في ذاكرة التاريخ تخلد ذكرى الكثير ممن لهم يد فضل في خدمة البشرية. ففتوحات العلماء يعظمها كل الناس مهما اختلفت أجناسهم أو دياناتهم.
فمنذ ألفى عام وصف طبيب يوناني مرض السكر بأنه مرض يذوب فيه لحم الإنسان ويخرج سائلاً مع البول. وتوالت العصور لتؤكد هذه الحقيقة ألا وهي أن جسم مريض السكر يتوقف عن حرق السكر في الجسم وتحويله إلى طاقة يستفيد منها. وبدلاً من ذلك تتحول أجسامهم لتأكل نفسها وتستهلك ما حوت من مواد بروتينية ودهنية.
واليوم الذي لا ينسى هو يوم 6 مايو 1921 يوم اكتشاف الأنسولين من قبل الدكتور فريدريك بانتنج، فمن ترى هذا الإنسان الذي ظفر بهذا الفتح العلمي الهائل. كان الطبيب فردريك بانتنج طبيباً سيئ الحظ لم يلقى نجاحاً يُذكر لافي حياته العملية ولا الأسرية. فلقد أرادت أُسرته أن يكون من رجال الدين وأن يصبح قسيساً، لكن أراد هو أن يكون طبيباً فدرس الطب وهجر مدرسة اللاهوت.
ولكن لم يحالفه الحظ فأغلق عيادته وتراكمت عليه الديون، وحتى خطيبته تشاءمت من كل هذا فهجرته وهجره الأهل، وأظلمت الدنيا في وجه هذا العالم.
لكن الدكتور فريدريك رغم كل ذلك لم يستسلم، وفي غمرة الفشل الذريع بدأ يقلب صفحات الكتب ويدرس ويبحث فيها عن كنوز ودرر ليجد اسم الدكتور الألماني أوسكار منكوفسكي فقرأ تجاربه العلمية.
كان مما قرأ أنه في عام 1988م أستأصل الطبيب أوسكار بنكرياس إحدى الكلاب ليرى إن كان الكلب يستطيع أن يعيش بدونه وفي اليوم التالي للجراحة لاحظ الطبيب أوسكار تجمع أعداد هائلة من الذباب على بول الكلب الذي ارتفعت فيه نسبة السكر بدرجة كبيرة.
سجل بانتنج هذه الملاحظة المثيرة، وقرر أن يبدأ تجاربه مستلهماً تجربة الطبيب الألماني، والتي انتهت باكتشافه للأنسولين وقد أطلق عليه اسم "ايليتين" ليتطور هذا الاسم أخيراً إلى الأنسولين.
أول مريض من البشر استفاد من الاكتشاف كان فتى في الرابعة عشرة من عمره يدعى ليونارد تومسون حيث حقن بالأنسولين أول مرة في 15 يناير 1922م ليعيش بعد ذلك بصحة بفضل هذا الاكتشاف وأنعم الله عليه بعمر أمتد به إلى الرابعة والخمسين حيث توفي نتيجة حادث مروري وليس نتيجة مرضه بالسكر.
وتربع الدكتور فريدريك بانتنج عرش المجد بعد أن كان قد تجرع مرارة الفشل ليثبت أن اليأس والقنوط لا مكان لهما في حياة الإنسان الذي يريد النجاح.